ظلمها التّاريخ وظلمها شعبها #الكرديّ#، إذ أهملوا الحديث وذكر عطاءاتها ومحاسنها لنا، ولكنّها لم تأبه لذلك، بل ظلّت تنعشنا بنسائم عطائها الوفير وحنانها وحبّها الذي يسع الكون بموجوداته، لأنّها كانت أمّ الكرد ومعلّمتهم الوفيّة وصديقتهم المخلصة، وما تزال نسائم روحها تهب علينا وتبشّرنا بغدٍ نحلم به وإن طال الأمد، أجل إنّها السّيدة #مينا# خانم قاضي زوجة الرّئيس #القاضي محمد#.
ولدت السيدة مينا في مدينة مهاباد في #شرقي كردستان# “كردستان إيران” في عام 1908م لعائلة كردية مرموقة ووطنية هي عائلة حجي حسن خاني أو حسن بك في منطقة موكريان، والدها هو أحمد، ووالدتها كول أَندام.
تزوّجت من القاضي محمد وهي في عمر ال 19 سنة في عام 1928، وأنجبا ثمانية أولاد، وبعد زواجها صارت تُعرَف باسم مينا قاضي، وكان اسم كنيتها قبل الزّواج اسكندري.
عندما تأسس الحزب الدّيمقراطيّ الكردستاني في شرقي كردستان بزعامة القاضي محمد، كانت السيدة مينا من أوائل النساء اللواتي انتسبن إليه، لأن الحزب أبدى اهتماماً كبيراً بالمرأة قولاً وفعلاً، ومن مختلف نواحي الحياة، كما إن جمهورية مهاباد التي كانت أولى جمهورية كردية في العصر الحديث برئاسة القاضي محمد اهتمت بالمرأة ودعت إلى انخراطها في النّضال السّياسي للدّفاع عن نفسها وقضيتها، بغية تأسيس أسرة كردية متكاملة الأركان، وتكون بدورها أساساً للمجتمع الكرديّ، وكانت السيدة مينا قبل ذلك أميّة لا تتقن القراءة ولا الكتابة ولكنّها تعلّمتهما فيما بعد، وأتقنتها إلى أن أصبحت معلّمة جديرة بالتّقدير والاحترام، وفي ذلك تقول:
“طلب إليّ القاضي أن أنخرط في صفوف الحزب والعمل لصالح الجمهوريّة، فأجبته: أنا لا أجيد القراءة ولا الكتابة، فكيف لي ذلك؟ فأجابني على الفور: يجب أن تتعلّمي القراءة والكتابة، وأن تعلّمي فيما بعد نساء وبنات الكرد أيضاً، لأنّك زوجة رئيس الجمهورية، وعليك أن تكوني في مركز الرّيادة والقيادة، وأن تقودي النّساء وتساهمي في توعيتهم وتثقيفهم، وأنا واثق أنّك ستحقّقين ذلك بالإرادة والتّصميم”.
هذا الاهتمام الكبير بالمرأة، دفعها لأن تناضل في صفوف الحزب، وأوّل عمل قامت به هو إسراعها إلى تأسيس الاتحاد النّسائي الكردستاني في 14آذار 1946م، وترأسته بجدارة وثقة، ومن خلاله بدأت تدعو المرأة إلى العمل والمشاركة بفعالية ضمن الجمهورية الفتيّة جنباً إلى جنب مع الرّجل، ولأجل تحقيق ذلك دعت النّساء والفتيات إلى الالتحاق بمدارس اللغة وتعلّم اللغة كتابة وقراءة، كما أنشأت ورش خياطة وتطريز لتساهم المرأة في ميدان العمل الفعليّ، وقد كان لها ولزميلاتها الفضل الأكبر في خياطة العلم الذي رُفع في سماء جمهورية مهاباد أثناء تأسيسها، وكان لها الدّور الأكبر في سنّ قانون التّكافل الاجتماعي والذي من خلاله يضمن الجميع حقوقهم، وكانت ترى أنّه على النّساء جميعاً أن يسعين ويكافحن من أجل حقوقهنّ للتّوصل إلى إيجاد حلول مرضية لقضاياهنّ ومشاكل المجتمع ككلّ. وكانت تفعل ذلك من خلال الاجتماعات المتواصلة والدّراسات والمحاضرات التي كانت تلقيها في عموم مناطق الجمهورية، ومن خلال عملها مع بعض النّساء الأخريات كمدرّسة ومعلّمة في المدارس الكردية، وقد خرّجت الكثير من النّساء والفتيات وقتها وقدّمتهنّ إلى صفوف المجتمع الأولى ومن ضمنها بناتها اللواتي أصبحن رموزاً لنضال المرأة وعملها مثل أمهنّ تماماً.
سعت السّيدة مينا إلى إصدار المجلات والجرائد الخاصة بالمرأة، لذلك عملت مع صديقتها “كوليزر شكاكي” على إصار مجلة باسم “هلاله”، دعون من خلالها إلى توعية المرأة وفتح مدارك وعيها وإبداعها في شتى المجالات.
تتميّز السيدة مينا بموقف شجاع وقويّ حين تبرّعت بكل مصاغها من الذّهب والفضة وغيرها لصالح جمهورية مهاباد، ما دعا باقي النّسوة إلى انتهاج سبيلها والتّبرع بمصاغهنّ، ويعدّ هذا الموقف دليلاً قاطعاً على أنّ القائد أو المسؤول وفي أي مجال منصب إذا كان صالحاً وجديراً بمكانته، فإنّ الرّعية سيحذون حذوه.
بعد انهيار جمهورية مهاباد، واستشهاد الرّئيس “قاضي محمد” ورفاقه، تابعت أمّ الكرد الحنون مسيرة نضالها ووفائها، وعاهدت أن تناضل حتى آخر يوم في عمرها، وبدأت تربي أولادها على نهج أبيهم ورفاقه، فعاهدها الأولاد أن يكونوا أوفياء لوالدهم ورفاقه وللكرد وكردستان، وقد برزت منهم ابنتهم عصمت التي ناضلت بإخلاص وتفان في صفوف الحزب الدّيمقراطي الكردستاني وكان من ثمار نضالها الذي كان أغلى هدية منها لوطنها وشعبها. بعد استشهاد القاضي وضعت السّيدة مينا دارها بكلّ ممتلكاته في خدمة أعضاء الحزب والمناضلين والبيشمركة، وتمكّنت من إنقاذ وخلاص العشرات منهم من حبل مشنقة النّظام الإيراني في عهد الشّاه بهلوي وفي عهد الخميني كذلك، لذلك تعرّضت مع أسرتها إلى مختلف أنواع التّعذيب والإهانة والمضايقات من قبلهم، كما تعرّضت للسّجن عدّة مرّات ومن ضمنها في عام 1986 وظلّت في السّجن لمدة عام وتعرّضت لتعذيب ووحشية وكانت قد تجاوزت السّبعين عاماً من العمر، وحين سئلت عن سبب اختطافها من قبل جهاز أمن النّظام الإيراني أكّدت أنّها تجهل السّبب، ولكنّها كانت تقول إنّ رجال النّظام يخبرونها على الدّوام أنّه لو لم يكن هناك رجل اسمه “قاضي محمد”، ولو لم يؤسّس للجمهورية، لما كان هناك في إيران قضية الكرد وكردستان، بل ووضعها النّظام تحت الإقامة الجبرية ومنعوها من السّفر إلى خارج إيران، وعندما استشهدت ابنتها “عفت قاضي” في السّويد، منعوها من السّفر إلى هناك أو من إجراء مراسيم رسمية لعزائها.
ظلّت مخلصة لزوجها الرّئيس قاضي محمد إلى آخر لحظة من عمرها المديد، لأنّها لم تكن تراه الزّوج فقط، بل كان لها الصّديق والحبيب المخلص والوفيّ، وفي ذلك تقول:
“كان القاضي الزّوج الوفيّ لي والحبيب المخلص والصّديق الصّدوق، وكان يحبّني كثيراً وعلى الرّغم من أنّني أنجبت له سبع بنات وولد وحيد، فإنّه أحبّ بناته كثيراً ولم يحسسني يوماً بذلك، وأقول ذلك لأنّه كان من عائلة عريقة وميسورة الحال وكانوا من وجهاء المنطقة، ومعلوم أنّ الرّجال الأغنياء والوجهاء وزعماء العشائر في ذلك الوقت كانوا يتزوّجون بأكثر من امرأة بسبب ومن دون سبب”.
وعن أمنياتها ومطالبها تقول السّيدة العظيمة: “أتمنّى الصّحة والسّلامة لجميع شبّاننا وشاباتنا والحرّية لشعبنا والاستقلال لوطننا لأنّ هذه كانت أمنيات قاضي محمد”.
وعن أمنية أخرى لها تقول: “أوعدوني وعاهدوني على توحيد الكرد، لأبشّركم أنا بدوري بكردستان محرّرة ومستقلة، لأنّ توحيد وتحالف القوى السّياسية الكردية هو خير دواء لمآسينا وآلامنا، وإذا تمكّن شعبنا من توحيد صفوفهم فإنّ مسألة تحرير كردستان ستكون سهلة للغاية”.
يُذكر أنّها كانت تتواصل مع نساء الكرد في باقي أجزاء كردستان عن طريق المراسلة وتدعو معهنّ إلى توحيد نساء الكرد فكراً وعاطفة ومبدأ لتحرير المرأة وتوعيتها وتثقيفها، ومن تلك النسوة “حبسه خان نقيب” و”كوليزر خانم شكاكي” وغيرهنّ.
وبعد عمر مديد، قضتها في النّضال والكفاح من أجل قضيّة شعبها ووطنها، تغادرنا أمّنا الحنون بجسدها، لتبقي لنا الرّوح ترفرف علينا بحبّ وحنان، وذلك في 17 شباط من عام 1998م، وقد شارك في تشييع جثمانها آلاف الكرد بمراسيم رسمية وشعبية.
المصادر: (بالكردية)
-Wîkîpediya
-Kakşar Oremar
– Mîna Qazî jineke têkoşer bû, Şehnaz Emîn, rojnameya Kurdistan, Hejmara 44, 2015
– Siba Fm, bernameya Mêvan, amadekirin û pêşkêşkirin Narîn Omer.
[1]