قبس من مشكاة تراتيل تيريز
ترجمة: الشيخ توفيق الحسيني
تقدمة: دلاور زنكي
$المقدمة$
تيريز الشاعر:
لا سبيل إلى إنكار أن الشاعرية هي سجية إلهية توهب للإنسان وطبيعة موزونة في ضميره وروحانيته لا تتسنى بالرياضة والتعلم ولا تتأتى بالمراس والتدرب، فلو لم يكن الأمر كذلك لكان العقاد وطه حسين وأحمد حسن الزيات وغيرهم من كبار العلماء في المراتب العليا من الشاعرية.
كتب تيريز جميع شعره ونظم كل قصائده منذ البداية على النهج القديم والطريقة التقليدية الكلاسيكية التي سار عليها الشعراء الأوائل ولم يحد أو يتحول عنها إلى الأساليب الجديدة المبتكرة التي تهمل الوزن والتفعيلة والقافية والإيقاع الموسيقى ولا تلتفت إلى قيود العروض الصارمة وتطلق على هذا الجنس من الشعر أسماء غريبة مثل: الشعر الحر والشعر المنثور والشعر الحديث.
وكان الشاعر تيريز يرى أن هذه البدعة الجديدة جور عن الطريق السوّي وآفة من آفات الشعر وإطلاق اسم الشعر عليها خطأ جسيم وعبث بالصيغ الجمالية. وهي أشبه بمحاولة بائسة لتمرد الدمامة على الوسامة والقسامة وتعطيل للموازين والقيم التي درج عليها القدماء في اجتراح المعاني في كلمات جزلة وبيان بديع في ثياب قشيبة زاهية تأخذ بمجامع النفس وتثير كوامن الشجن وتوقظ الذكريات الراقدة وتهيّج خلجات النفس الراكدة فإذا خرج الكلام عن هذه الشروط وانعتق من هذه القيود فهو ليس بشعر ولا يمت إليه بأية صلة وعلى المرء أن يبحث عن اسم آخر أو مصطلح آخر لإطلاقه على هذا الكلام المبتكر ويخلي سبيل الشعر ويدع شأنه ويتركه لأهله.
ولكي تكتمل الشخصية الشعرية لدى المرء كما يرى تيريز ينبغي له أن يأخذ أهبته من العدة التي سيفتقر إليها في خوض المعمعة مثلما يفعل الفارس الكميّ. واذا صح لنا أن ندعو أحداً شاعراً وجب أن يكون في كنانته سهام تطلق لاقتناص المعاني الشريفة والعبارات الأنيقة المحلفة في طيات خياله المجنح. لاستثمارها في كلام موزون ذي جِرْسٍ موسيقي وسجع وقافية.
ومهما يكن من شيء فإن الشاعر تيريز اكتسب ثقافة شعرية واسعة من مدرسة الشاعرين الجليلين: ملا أحمد خاني وملا أحمد جزيري ونسج على منوالهما. لقد تخرج الشاعر: #جكرخوين# من هذه المدرسة وكذلك الشاعر: تيريز فهما صنوان في دوحة الشعر لأن مشربهما كان واحداً وكان منهل ثقافتهما واحداً.
يقول تيريز في رأيه عن الشعر إنني أرى الشعر نظماً ولحناً وقافية ومضموناً. أي أنّ أيَّ كلام خاوٍ من أحد هذه الشروط الأربعة انتفت عنه الصفة الشعرية وإذا أخلَّ الشاعر بشرط من هذه الشروط الأربعة انتفت عنه صفة الشاعرية. وبعد أن حاز تيريز صفة الشاعرية وامتلك ناصية البلاغة حلّق بجناحي نسر أعصم فوق ذرى جبال بلاده وساح في أمصارها وذرع الأرض طولاً وعرضاً. لم يدع رقعة من سهوب #كردستان# وسهولها وروابيها و وهادها دون أن يدفّ ويرفرف عليها بجناحيه. كان عاشقاً للطبيعة فوصفها وصفاً دقيقاً شاملاً.. وقد انعكس هذا الهيام على أسماء دواوينه الثلاثة فأطلق على كل ديوان اسم جبل من جبال كردستان: خلات- زوزان- جودي=Xelat- Zozan- Cûdî . زار كل الأصقاع، لامس بمقادم جناحيه ماء دجلة والفرات وغمس رجليه في مياه بحيرة وان و أورميا حجَّ إلى ضريحي مم و زين وقف على أطلال برجا بلك . سافر إلى فارقين ومدياد و مهاباد . ورحل إلى جبال برزان .. وزار السليمانية ودهوك وهولير... تغنى بجمال الغابات وسحر الجبال وفتنة الزوزان وقف بخشوع أمام مرقد الشاعرين العظيمين أحمد خاني وملا أحمد جزيري. وطاف بجبال درسيم وآكري وتوغل بين أشجار وغابات اللوز والسنديان وتنزه في كل رياض الوطن الواسع.. وتنشق عبق كل زهرة و وردة من ورود وأزهار الرمان والتفاح في جبل لالش واستحم في كانيا سبي وتأمل نار المعابد الزرادشتية. وأطنب في نعت الوعول، والماعز الجبلي، والظبي والغزلان وذكر البلابل والشحارير والعنادل والهزار والحمام واليمام وكواسر الطير ودواجنها والطيور وأوكارها والسباع والضباع وأوجرتها وجحورها والخيل ومرابطها. لقد جمع الشاعر تيريز في سفينة شعره كل الكائنات الصغيرة والكبيرة ووضعها تحت ضبطه وأسبغ عليها ما شاء من المدح والإطراء. والمرأة جزء مهم من أجزاء الطبيعة لذلك احترمها الشاعر وعشقها وهام بها وجداً إذا حضرت ومتى أفلت وغابت عن ناظريه حنَّ إليها ملتاعاً متلهفاً إلى لقائها. لقد أحب الإنسان أينما كانوا وأحب في المرتبة الأولى أصحاب المقامات الذين انتفعت بهم البشرية ونالت على يدهم الخير والكرامة والرخاء وتعلمت منهم الحكمة. وهو عظيم التعلق بأهله وشعبه وقومه يحفظ سيرة الأفذاذ منهم ويذكر بطولاتهم، يفاخر بهم.. وينوه بمآثرهم... وإذ كان مخزونه الثقافي مليئاً بأخبار الأولين وأساطيرهم وعاداتهم وأعرافهم وتقاليدهم وعقائدهم فقد أثبت ذلك كله في قصائده الموزعة بين دواوينه الثلاثة، وفي أعماله النثرية مثل كتابيه عن الطرائف الكردية، كما نظم قصيدة مطوّلة في سرد قصة المولد النبوي الشريف .
وفي بعض قصائده ينحو منحى كليلة و دمنة يضمنها قصصاً وحكايات عن حيوانات تنطق بالحكمة والقول المأثور والنصائح والوصايا النافعة والدروس المفيدة المبثوثة في ثنايا السرد.
أما الغزل والتشبيب والنسيب ففي شعره الجمُّ والكثير من هذا الفن الجميل .. لقد كان تيريز رقيق العاطفة مرهف الحس، محباً للجمال بكل صوره وأشكاله سواء في الطبيعة الصامتة والشجر والإنسان وكل ما في الكون الرحيب من موجودات. .. رأى المرأة الحسناء الجميلة فافتتن بها وتَدَلّة في هواها... وأحبها حباً عذرياً صوفياً فوق شبهات الجسد.. حباً مستعراً لا هوادة فيه ولا سكينة. إنّه حبٌ مضطرم نجد لفحه بين الحروف والكلمات..
إن الشاعر تيريز يتخذ البلبل –في قصائده- رمزاً لشخصية الشاعر والوردة رمزاً للحبيبة، للمعشوقة التي أخذت بمجامع نفسه فسبت لبّه وأسرت فؤاده وملكت كل كيانه واستحوذت على وجوده لذلك يسترسل في الشعر والتغريد منذ الساعات الأولى لأضواء السَحَر بكل لحنٍ عذب شجيّ يناجي الوردة الحبيبة، ولكن الوردة ساهية عن ذلك، حتى إذا بزغت الشمس بألاء أنوارها وانسابت قطرات من الندى على محيا الوردة وتلألأت كحبات اللؤلؤ ومرَّت عليها نُسيمات الصباح استفاقت من سكونها وأصغت منتشية إلى نجوى البلبل العاشق الولهان وأقبلت عليه بكل جوارحها. وعندئذ تأتي الفراشات أفواجاً وارسالاً- ابتهاجاً بلقاء العاشقين- ترسم بأجنحتها الرقيقة الزاهية ألواناً من الفتنة والسحر والجاذبية والجمال.
ومما يحمد عليه الشاعر: تيريز أنه أحيا الأدب الشعبي لدى الأكراد وأنقذ كثيراً من الأساطير والحكايات التي أنتجتها أخيلة الرواة على مدى أزمنة طويلة، التي لا تقل متعة عن أساطير ألف ليلة وليلة. إذ رسّخ قصة سيامند وخجي في /335/ ثلاثمائة وخمسة وثلاثين بيتاً، ورواية سيبان وبروين في اربعمائة/400/ بيت من الشعر وكذا قصة جوان وكزي في أربعمائة وواحد وعشرين/421/ بيتاً في صياغة بليغة، بعد أن كانت هذه الملاحم أو القصص تنتقل إلى الأسماع من افواه المنشدين والرواة.
لم يقتصر شعر تيريز على الغزل والحب وأحوال المحبين والعشاق ووصف الطبيعة وحسب. بل جاوز ذلك إلى الأوضاع السياسية والاجتماعية وتاريخ الأمم الغابرة وإلى تحريض الشعور الإنساني لدى الفرد والدعوة إلى افتعال المكرمات واصطناع المعروف. ومنتهى القول: إن شعر تيريز موسوعة شاملة تتسع لكافة أجناس النظم ولجميع المقاصد في أفانين القصيدة المنظومة بكل أبعادها واتجاهاتها ومناحيها.
إذا كانت الآداب هي مرآة الشعوب التي تنطبع عليها أوضاعهم الاجتماعية وأحوالهم الاقتصادية وتنعكس عليها آمالهم وآلامهم، أحلامهم ورغباتهم، أتراحهم وأفراحهم، مباهجهم ومسراتهم.. حركاتهم وسكناتهم، وكل نأمة في حياتهم.. فإن شعر تيريز ينطوي على كثير من هذه الحقائق في مسيرة الحياة الكردية منذ غابر الدهور وحتى الأيام التي عاش فيها الشاعر.
لقد رضُع تيريز من لبان العلوم والمعرفة وغذي من ثمار الشعر والفكر والسياسة من تلك الأيكة المورقة: جكرخوين وحسن هشيار والدكتور نورالدين ظاظا أيام إقامته في عاموده ومساهمته في جمعية خويبون .
لئن كان تيريز في شعره يسمو إلى أعلى درجات البلاغة في خياله وتأمله، وفكره ومواعظه فلأنه كان صادقاً في عشقه للوطن، صادقاً في حبه لأصدقائه وفياً لخلانه.. وليس من ريب في أن صادق الحب يُملي صادق الكلم. فمن شاء أن يبهج نفسه بالكلمة العذبة ويشنف أذنه باللحن المطرب والمعاني الرشيقة فليعد إلى الأصل الكردي.
$أعماله المنشورة:$
1-خلات ديوان شعر- قدم له دلاور زنكي- باللغة الكردية. من إصدارات بيروت- لبنان سنة 1984م. وأعيدت طباعته عام 1990م في السويد.
2-زوزان ديوان شعر- قدم له دلاور زنكي. باللغة الكردية. من إصدارات بيروت –لبنان سنة 1990م.
3-جودي ديوان شعر قدم له دلاور زنكي. باللغة الكردية. من إصدارات بيروت –لبنان سنة1998م.
4-طرائف كردية جزء الأول- ترجمة الشيخ توفيق الحسيني إلى العربية- دمشق 1996م.
5-المولد الكردي.. قدم له دلاور زنكي. باللغة الكردية. من إصدارات بيروت- لبنان سنة 2006م. نشر في موقع تيريز نامه.
6-طرائف كردية جزء الثاني- قدم له دلاور زنكي. باللغة الكردية. من إصدارات بيروت –لبنان سنة 2009م. نشر في موقع تيريز.
أعمال لم تنشر:
-عدد من قصائد غير منشورة.
-اسمه الحقيقي نايف بن حسو.
- لقب الشاعر نايف حسو بتيريز من قبل المؤرخ حسن هشيار السردي.
- هذا الكتاب يتضمن /323/ ثلاثمائة وثلاثة وعشرين بيتاً وعشرة فصول.
دلاور زنكي
قامشلو
1/8/2012
[1]