نسرين اليوسفي
ليس للكُردي إلاّ الاستقلال
ليس خافياً على الإخوة العرب في العراق وفي البلدان العربية والإسلامية مشاركات الكرد في جميع حركات وثورات التحرر العربية ضد الاستعمار ( قديماً وحديثاً ) سواء كانت تلك المشاركات عملية- معارك وحروب - أو كانت مشاركات تأييد ومواقف كالمظاهرات السلمية على امتداد عمر دولة العراق الحديث وما قبله أيضاً من حيث تبعية هويته الاسلامية للدولة العثمانية حينه.
ويمكن للقارئ العربي الكريم أن يطّلِع ويقرأ عن تلك التضحيات في كتاب المؤرخ محمد زكي أمين (خلاصة تاريخ الكرد وكردستان / نقله للعربية محمد علي عوني، وأيضاً في كتاب د. كمال مظهر (كردستان في سنوات الحرب العالمية الأولى / نقله للعربية محمد الملا عبد الكريم) بالنقر على خدمة غوغل.
وبسبب هذه التبعيات، ظل الشعب الكردي يدافع عن حقوق عامة ويدفع بأبنائه الى ساحات حرب ومعارك حصل منها على شهادات ميتة لم يضعها الآخر في ميزان حساباته اليوم حين بدأ الكرد بالتفكير جدياً بأن يعاودوا العيش ضمن حدودهم الحقيقية التي قسّمتها ( كما يعلم غير الكردي وينكرها عليه ) معاهدة سايكس بيكو.
وحين بدأ الكرد بالتوقف عن الدفاع عن قضايا الغير ( حيث لا أحد يفكر في التضحية بالمقابل لأجل أن يعيش الكردي بسلام ) والتفكير في توجيه تضحياتهم بالنفس الكردية الى قضيتهم القومية واجهتهم مواقف الأخوة العراقيين والعرب بالصد والنكران، وشهدت ساحات الإعلام معارك وحروب طاحنة لردع الكردي عن المطالبة بحق مصيري بسيط، ونسي الأخ العربي أن من حق الكردي أن يُبقي على استقرار أوضاعه الطيبة والابتعاد عن كل ما يمكنه أن يكون سبباً في ضياع مكتسبات كبيرة حصل عليها بفضل سياسة رئيس الإقليم المحنكة وبفضل إصراره كشعب يرغب بالحياة الطيبة، وسنكون جاحدين لو أنكرنا فضل ومساهمة الدول الاوربية وأمريكا في تثبيت ذلك الاستقرار ( الأمني والاقتصادي والسياسي ) طوال عقدين ونيف مع شبه غياب للدور الإسلامي والعربي والعراقي (حكومياً) في التشجيع والتطبيع.
ومن دون الاعتماد على أية احصائيات غائبة منذ آخر إحصائية عراقية تدخّلت فيها سياسة التبديل وتغيير الهويات القومية للطوائف والأقليات، فإن عدد نفوس الكرد (المتجمعين في مدن الإقليم والمتفرقين في المدن العراقية ) يشكل تقريباً ثلث نفوس السكان في العراق.
ويتعرض هذا الثلث الى مضايقات كثيرة في أماكن تواجده منذ بدء مطالبة الإقليم بإجراء الاستفتاء الشعبي على الاستقلال، بحيث أصبح الحديث كردياً عن هذا الشأن منبوذ عربياً ومرفوض كلياً شعبياً، ويقود الى التمسك بمواقف متشددة تبرز الحد الذي وصلت اليه القناعات المنفردة من تزمت غريب يحلل لنفسه حق تقرير المصير ويحرم لغيره هذا الحق في سابقة غير إنسانية تدفعنا للتساؤل دوماً عن سبب هذا الرفض غير المبرر. وتدفعنا أيضاً للتساؤل : لماذا ينشغل العربي بقضية الكردي وينسى قضيته الرئيسية في المطالبة وتحقيق حياة كريمة لا ينقصها كل ما ينقصها الآن ( خدمياً ومعيشياً وصحياً واقتصادياً ) من كم فظيع تبخل به عليه حكومة العراق رغم غناها؟
هل تمكّن الشعب من فرض شروطه على الحكومة والحصول على كل مستحقاته ومستلزمات عيش آمن على الأقل بأبسط صوره كي يلتفت بعدها الى عجلة أخيه الكردي فيضع فيها العصيّ؟
لن نلقي باللّوم في تكاسل الشعب العربي في العراق عن المطالبة بحقوقه كاملة على عاتق الشعب المسكين ، بل نلوم رؤوس الأحزاب وأعضاء البرلمان ووزراء الحكومة على دس سموم الكره الطائفي في نفوس الإخوة العرب ضد إخوتهم الكرد ، وإلهائهم بقضية استقلال الكرد كي يدفعوا انتباههم الكبير عن مراقبة سرقات موارد البلد الكبيرة وكي يشغلونهم دوماً بما لن يفدهم سوى بتعبئة طائفية مقيتة لن تجر خلفها الاّ الكره والتباغض العرقي ولن يحقق منها شعب العراق أية مكاسب تضاف الى رصيده الحياتي وعوزه المادي ولا فلساً واحداً ، لأن التغرير بالشعب عبر ميكرفونات الحشد الطائفي للفكر العربي ضد الأقليات والقوميات الأخرى هي الوسيلة الكبرى في شحن الشعب، بينما تجري سرقات القوت يومياً على قدمٍ وساق وعلى مرأى من النظر ودون معارضة شعبية حقيقية تُحسَب لهم.
لذا يا إخوتنا في الإنسانية، انتبهوا لهذا الخلط السياسي المتعمد بزج الشعب في حروب (على مواقع التواصل الاجتماعي كافة وعلى أرض الواقع) غير مجدية ولن تفيد بشيء سوى زيادة في التباعد وفرصة للحكومة بالمزيد من الفساد .
ولمن يتصور أن تجربة استقلال الإقليم ستضر بشعب العراق نقول العكس تماماً ، فبعد استقلال الكرد ستكون هناك ثمة اتفاقيات ومعاهدات رسمية كبيرة بين الجانبين، تبدأ بمشاريع استثمار وتوفير فرص عمل وسياحة وتجارة وصناعة وزراعة تعود للطرفين بالفائدة وتحرر النفس من شحنات الكره القومي والطائفي والمذهبي لأنها ستتسبب باستقرار الوضع الاقتصادي للعراقيين أيضاً من خلال فسح المجالات كافة لليد العاملة العربية للعمل في الإقليم حيث تشهد اليوم العاصمة الكردية هولير وجميع محافظات الإقليم على ذلك التواجد العربي الجميل في أغلب أماكن العمل من شركات ومؤسسات وأماكن عمل لا تعد ولا تُحصى.
لأجل كل هذا ليس للعربي الاّ الانتفاض على سياسة حكومته التي تنتهج ذات النهج الاستعماري القديم : فرُّق تَسُد ، وعدم انتخاب ذات الوجوه التي أهدرت طاقات كثيرة ولفترة طويلة من الزمن وعلى ما يجري من غبن في حقوق الشعب كافة .
ورحم الله محمود درويش حين أفتى (أمس ) بقوله في قصيدة - كُردستان - المُستقطعة عمداً والمُستبعدة من ديوانه الرائع : ليس للكردي الاّ الرّيح .
(اليوم) أيها الشاعر العظيم ليس للكردي الاّ الاستقلال...[1]