أسئلة كوردية - 2
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 7513 - #05-02-2023# - 23:38
المحور: القضية الكردية
ألا ترون أن حراكنا الحزبي لم يعد قادرا على حمل جزء من القضية، ويحتاج إما إلى إعادة تركيبته الفكرية، أو إزالته، مثلما يحتاج مجتمعنا إلى إعادة تثقيفه، وتوعيته؟
وفي الحالتين من المهم إقناعهم أن الوباء منتشر ولا بد من العلاج.
ألا يبدأ نجاح القضية بإنقاذ الشعب من الكوارث التي خلقها أغلبية الحراك الحزبي الكوردي في العقد الأخير؟ والذي أصبح من أولويات نضال الحراك الثقافي التنويري. والتي لن يتم بدون إعادة تثقيف المجتمع المنقسم على ذاته.
ألا ترون أن ما غرزته من الأوبئة الفكرية وساهمت في ترسيخها شريحة من الكتاب التابعين، تحتاج إلى عقد وأكثر من التنوير؟
فمن غرائبهم:
1- إنهم تحت غطاء إنقاذ الشعب من الأنظمة الدكتاتورية، بنوا نظام حزبي غارق في الخلافات، كما ونقلوا الشعب من مرحلة الصراع مع محتليه، إلى ساحة مليئة بالحقد وكراهية الكوردي المخالف.
2- خلقوا ثقافة بين المجتمع لا تقل بشاعة عن الثقافة التي غرزتها الأنظمة المحتلة لكوردستان، ولا يهم، إن كانت عن ضحالة في الإمكانيات الفكرية، أو عن جهالة، أو تحت ضغط الإملاءات الخارجية.
3- ليس فقط لم يساهموا في توعية المجتمع بالشكل المطلوب على البنية القومية والوطنية، بل جعلوه يعاني من التضارب ما بين النظرية والفعل والتطبيق. بين ما كان ينشروه في الأدبيات وما كان يجري على أرض الواقع.
4- على قدر ما تمكنوا منه، عرضوا القضية على الساحة الإقليمية والدولية، لكن بعدما حملوها كل العلل، وهو ما أدى إلى: ليس فقط عدم الاهتمام بها، بل نفور بعض القوى منها أو عدم دعمها.
5- نقلوا الحوارات عن الوطن ومستقبل الأمة، إلى الخلافات على الأحزاب، ورجحوا أسماء الرؤساء بين الخيانة والوطنية دون إبقاء مساحة بينهما، فغابت الرؤى والحكمة حول مستقبل القضية.
6- جهلوا المجتمع، فلم يعد يدرك الفاصل بين المفاهيم السياسية والحزبية، وأبعدوه عن السمات الحضارية، فأمسى العداء الحزبي الوباء الأكثر انتشارا في الشارع الكوردي، وميزان التقييم الوطني أصبح على مدى تعالي صرخات التخوين، السمة التي تشدقت لها الأفواه بالترحيب والمدح. يطربون للتهجم عندما تحصر في الأسماء والتشخيص، والأغرب، كل من يعترض على هذه الأساليب يتعرض إلى المسائلة والتهم المماثلة.
تطورت البشرية، لتساير الحضارة الحديثة، حراكنا تلقفها، لكن ليس لتوعية الذات ومجارات الحضارة، بل لتطوير أساليب الصراع الداخلي، يبدعون بتغطيتها بغطاء الوطن والقضية وآلام المجتمع، المجتمع الذي كلما خمد صوته، يقومون بضخ مفاهيم جديدة، مستخدمين تكنولوجيا العصر، ليستمر التآكل الداخلي.
يتباهون بمدى تلقينهم الشارع الكوردي من التوصيفات الكارثية تجاه الأخر، ففي العقد الأخير تجاوزوا حدود التخوين والعمالة الخارجية، إلى تهم الأخلاق، ومجموعة من سلطة الأمر الواقع خير من أبدعوا فيها، انتقلوا من مهاجمة الحزب إلى تحديد الأشخاص، إلى أن أصبحت الأسماء المتناولة على الألسن أوسع انتشارا من القضية.
من المذنب، من هو الضحية ومن هو المتهم أو الجلاد؟
السؤال الأكثر إثارة في العقد الأخير، بها عمقت الخلافات، وتوسع الشرخ، وتفاقم الوباء.
يتناسون أن كوردستان-القضية هي الضحية، والشعب الكوردي المعاني من الأوبئة والكوارث هو الضحية، والأنظمة المحتلة لكوردستان هي الجلاد.
الضحية، ألاف الشهداء وعائلاتهم، والصامدون في وجه المعاناة اليومية مثلما المهاجرون هم الضحية، الديمغرافية المدمرة هي الضحية، والمجرم هو المحتل.
الكورد كانوا ولا زالوا منقسمين على طرفي النقيض، فالقضاء على الأخر المخالف من شبه المستحيلات، كما وإقناع المعارض بالتراجع عن نهجه احتمال شبه معدوم، لكن الاتفاقات السياسية وليست الحزبية ممكنة، وأقرب إلى مفاهيم العصر والوعي الحضاري والأنسب لترجيح احتمالات بلوغ الغاية.
أختار الحراك الكوردي العنوان الخطأ، عندما نقل أغلبية ثقل صراعه مع الأعداء إلى الداخل الكوردي، بعدما البسوا بعضهم عباءة التخوين لتبرير الفعل، سبقها إقناع الذات والمجتمع على أنهم يحاربون العدو، فسموا بعضهم بالعدو الداخلي، وبها تحول الكل إلى أعداء داخليين، وأخطأ الجميع في نشر الشعارات الكارثية، وتاهوا في الدروب، كل يود أن يقود المجتمع إلى مستنقع كراهية الكوردي الآخر.
أمام هذا الدمار، ننادي جميع الأطراف، المتحكمة بشكل خاص، والمعارضة، إعادة النظر في منهجيتهم، وأساليب تعاملهم، وإيقاف الوباء الحزبي، والعمل على توعية المجتمع لردم الشرخ الذي خلقوه، وخلق التآلف بدل العداء، تلقين الشعب الحوارات الحضارية بدل التخوين، توجيه كتابهم وإعلامهم نحو النقد من أجل خلق الأفضل بدل التدمير.
لننقد وبقوة ونبتعد عن التجريح والإساءة. دونها نحن جميعا نتجه نحو خسارة من وما كسبناه، وربما الضياع إلى أن تنحل الدول القومية.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
[1]