إعداد/ هايستان أحمد [1]
محمد شيخو أو البلبل الحزين أو رائد الأغنية القومية أو “بافي فلك”، تكاثرت ألقابه في المجتمع الكردي لشدة معجبيه وتأثيره على المستمعين بصوته الشجن العذب الصارخ بالثورة والحرية، الفنان الكردي محمد شيخو الذي ينحدر من إحدى قرى ريف قامشلو من قرية “خجوكة”، ولد في هذه القرية عام 1947، في كنف عائلة كادحة متجذرة بالهوية الكردية ترعرع وامتلأ قلبه بالشغف للقضية والوطن الكردي، ويُعتبر من روّاد الأغنية القومية الكردية، تتلمذ في الموسيقى على أيدي الفنانين حسن توفو وخليل إيزيدي، وفي عام 1970 م، ذهب إلى بيروت لدراسة الموسيقى، كانت انطلاقته الحقيقية مع “لجنة الفن الكردي في لبنان” قدم العديد من الأغاني القومية والثورية تأثر بكبار الشعراء الكرد وغنى لهم أمثال: ملاي جزيري وجكر خوين.
كذلك غنى بعض الأغاني الطربية باللغة العربية أثناء تواجده في لبنان. ويُعدُّ أحد أبرز سفراء الأغنية الكُردية السورية، رسم صورة الأغنية الكُردية في زمنٍ كان النغم الكُردي يتراقص على أوتار الكبت والحظر والحرمان.
مسيرة حياتية مليئة بالشقاء
درس محمد شيخو المرحلة الابتدائية في قريته، إلى جانب تلقيه آداب اللغة الكردية خلال المساقات السرية التي كانت تقيمها الأحزاب الكردية في قامشلو، في عام 1965م، تعرض لمرضٍ في عينه وأصيبت عيناه بالنقص مما أدى إلى إعفائه من خدمة العلم في سوريا، وبسبب صعوبة الحياة وسوء أوضاع عائلته المالية بالإضافة إلى مرضه ترك الدراسة (أكمل دراسته لاحقاً) وعاد إلى القرية للعمل بالفلاحة مع أهله، ولعمله في الزراعة وفلاحة الأراضي تجول في قرى عديدة بمحيط قامشلو، تعرف في قرية “خربي كرما” على الفنانين خليل يزيدي وحسين طوفي وحليم حسو حيث رافقهم محمد شيخو إلى العديد من الحفلات والأمسيات آنذاك تلك المرحلة صقلت تجربته الغنائية، وحولته من هاوٍ للغناء إلى مغنّي رصينٍ.
في عام 1970 ذهب إلى بيروت لدراسة الموسيقى، وفي ذلك العام كانت باشور كردستان تعيش مرحلة جديدة، حيثُ كانت الثورة الكردية على أشدها، ولأجل دعم ثورة باشور كردستان قامت لجنة الفن الكردي في لبنان بالتعاون مع فنانين أمثال محمد شيخو بإحياء العديد من الحفلات والأمسيات الغنائية. وفي حفلة صالة سينما ريفولي عام 1972م بحضور رئيس الوزراء اللبناني الأسبق صائب سلام قدم محمد شيخو ولأول مرة بعض أغانيه على مسرحٍ كبير، وأصبح عضواً في اتحاد فنانين لبنان، وتعرف على العديد من الفنانين اللبنانيين الكبار أمثال نصري شمس الدين، فيروز، وديع الصافي، عاصي الرحباني وسميرة توفيق. ومع نشوب الحرب الأهلية في لبنان غادرها عائداً إلى سوريا.
في عام 1972م سافر إلى بغداد بغرض إحياء حفلة فنية، وقام بتسجيل بعض أغانيه في القسم الكردي في إذاعة بغداد، ثم زارها مجدداً في عام 1973م، وكان القسم الكردي في إذاعة بغداد وتلفزيون كركوك يبثان أغانيه على الدوام وذلك ما ساهم في نيله شهرة واسعة بين الكرد في كردستان العراق. وفي تلك الفترة عقد صداقات مع العديد من الفنانين في كردستان العراق.
الألبوم الأول والرحلة إلى روجهلات
في عام 1974م، عاد إلى سوريا وسجل أول ألبوماته في دمشق باسم “كوري” والذي تضمن ثماني أغاني قومية وعاطفية وبسبب مضمون أغانيه القومية تعرض للملاحقة من قبل الأجهزة الأمنية السورية فاضطر إلى الهرب ومغادرة سوريا إلى باشور كردستان والالتحاق بصفوف البيشمركة فيها.
وبعدها زار مدينة مهاباد وسجل فيها ألبومه الثاني واحدى أهم اعماله (أي فلك Ey Felek) وألبوماً آخر باسم (من مهاباد منبع دماء الشهداء) وبسبب مضمون أغانيه السياسية والقومية تدخل السافاك الإيراني وطالبه بالكف عن الغناء، و تم نفيه إلى مدينة كردية بالقرب من بحر قزوين على حدود أذربيجان، وهناك تعلّم اللغة الفارسية، وقام بتدريس اللغة العربية في إحدى المدارس الثانوية.
وفي عام 1983م، عاد الى سوريا وأقام في قامشلو وأسّس فرقة موسيقية وقام بإعطاء الدروس الموسيقية وسجل آخر أعماله عام 1986م، وفي عام 1987م فتح محل تسجيلات باسم فلك ومن جديد تدخل السلطات السوريا البعثية وتم إغلاق محله بالشمع الأحمر نظراً لما تحمل أغانيه ومحتويات محله الطابع القومي الكردي، وفجأة أصيب بمرض أُدخل على إثره المستشفى وتوفي في التاسع من آذار عام 1989م، في قامشلو وبمشاركة شعبية واسعة ولا نظير لها في المدينة وعلى صدى آخر أغانيه (عندما أموت، إيها الأحياء، لا تدفنوني، مثل الجميع وفي كل آذار، أيقظوني) وارى الثرى في مقبرة الهلالية وترك خلفه المئات من الأغاني الوطنية والقومية، التي عانى طيلة حياته من أجل هويته وقوميته وأرضه كردستان، وواجه أبشع الجرائم على أيدي السلطات الحكومية في سوريا وإيران، ولكنه كان نبعاً لا ينضب وظل ينشر الأمل بتحقيق حلم الكرد بوطننٍ سالم تحيا فيها اللغة الكردية دون حواجز.
كانت أغنيته الكُردية سبباً لحمل عبء الاعتقال والنفي الذي طاله من سلطة البعث، نقل اللحن الكُردي في سوريّة من الزاوية الفلكلورية إلى آفاق فنية أوسع، وأسّس بأسلوبه مدرسة غنائية أثّرت بشكل كبير على تشكيل اللوحة الموسيقية الكُردية في سوريا وإلى الآن يغني الأبناء الكرد أغانيه بكلِ حبٌ وود.
ربما كان له موعد مع الربيع ربما كان له موعد مع شهداء آذار مع شهر آذار بمآسيه وويلاته على الشعب الكردي، لقد أضاف هماً على هم الكرد بموته وفي ريعان عطائه، ها نحن نوقظك مجدداً إيها البلبل الحزين بعد رحيلك وفي آذار نتذكرك دائماً وسنظل نتذكرك وستبقى علماً من أعلام الفن الكردي وستتذكرك الأجيال طويلاً، لأنك تمثل التراث والفلكلور والصوت الكردي الحقيقي.