=KTML_Bold=أنس احمد: تحليل المجتمع الديمقراطي المعاصر=KTML_End=
مع انهيار الحركات القومية ووصول أنظمتها بالمجتمعات الشرق الأوسطية إلى طريق مسدود لا تستطيع هي نفسها أن تنكره ، تتنامى في أوساط الرأي العام المحلي ، و في أوساط الرأي العالم العالمي أيضا ، نزعة عدائية تجاه البرامج والشعارات والأهداف التي استحوذت في الماضي القريب على عقول الناس وأفئدتهم لعقود طويلة ، كالبرامج النمطية كالإصلاح أو الشعارات الكلاسيكية كالوحدة والدولة القومية و ما إلى هنالك من شعارات فضفاضة باتت محظورة في الذهنية المتشكلة حديثاً.
وطرحت الكثير من مشاريع التغيير لتحسين الواقع السياسي و الاجتماعي وسنخص بالدراسة اليوم المشروع الديمقراطي في شرقنا الأوسط , ولعل الأهمية تكمن في ضرورة الانتقال السياسي لما شهده الشرق الأوسط من ثورات واحتجاجات شعبية وصل إلى جحر السلطة السياسية و تغييرها .
عبر الفكر الديمقراطي حديثا إلى الشرق الأوسط و لم تترسخ مبادئه اجتماعيا و لا حتى سياسيا إذ كانت عبارة عن أصداء خالية تقرع في أذهان الشعوب دون أي تأثير يذكر ويعود السبب للتعاطي الشكلي و الظاهري للديمقراطية بعيدا عن معناها الحقيقي إذ لم تطبق مبادئها و لا حتى أسسها و لم يعمل عليها حفاظا على المصالح الأوليغارشية و ضمانا لبقاء السلطة المركزية وهيمنتها و بالإضافة لذلك تزويدها بجرعات من الخطاب الديني التعبوي المحرض على العداء للنظام الديمقراطي كونه غربيا باعتقادهم إلا أنني اعتقد بان الديمقراطية ليست نظاما غربيا خاصا ولا نحو ذلك بل نتاجا إنسانيا ساهمت فيه البشرية ، عبر تاريخها الطويل ، إذ أن أي أساس حضاري لا يمكن أن يخلق على حدا ، فالنظم الحضارية جاءت نتيجة سلسلة حضارية متواصلة ، و اعتقد بان الحرية التي هي أساس الديمقراطية إنما هي الوسيلة الوحيدة للحفاظ على المبادئ الأخلاقية و الدينية بعيدا عن التزوير الذي تعاني منه نتيجة تدخل المصالح السياسية فيها.
نعود إلى الديمقراطية حيث كما ذكرنا مسبقا بان الديمقراطية هي سلطة الشعب غير أن السؤال الذي يطرح نفسه هو : أي شكل من أشكال الحكم يمثل سلطة الشعب ، كيف يقوم الشعب بحكم نفسه …؟
اعتقد بان الديمقراطية الحديثة يجب أن تتركز و تنشأ على السلطة الاجتماعية وذلك لضمان مفهومها المتمثل بحكم الشعب ، والسعي بتغذيتها بالمبادئ و القيم الإنسانية ، وتحويل مركز نشاطها من دمقرطة الدولة و السلطة المركزية نحو دمقرطة المجتمع و السلطة الاجتماعية ، إذ أن الممارسة الديمقراطية السليمة تفترض دمقرطة المجتمع بحد ذاته وليس دمقرطة السلطة السياسية .
كانت المرحلة الأولى لظهور الديمقراطية تتجلى في مرحلة الدولة الديمقراطية في العهد الماضي لدى الغرب ، أما المرحلة الثانية فهي مرحلة المجتمع الديمقراطي بحد ذاته ، أي توطيد مبادئ الديمقراطية في ممارسات الفرد و الجماعة معا ، كما أنه يجب على المجتمع الديمقراطي أن يتمتع بشروط و قيم إنسانية أولها الحرية الفردية و الجماعية إذ أن الحريات الفردية والجماعية صلب الديمقراطية وغايتها لكنها لا تتحقق من دون تأمين شروط ومبادئ أخرى وهي العدالة والمساواة الاجتماعية ، كما جرى تعريف الثقافة الديمقراطية على أنها المساواة ، إذ أن الديمقراطية تستلزم هدم نظام مراتبي ورؤية كلية للمجتمع و استبدال الإنسان المراتبي بالإنسان المتساوي على حد تعبير لويس ديمون . ولكي تكون المساواة ديمقراطية يجب أن تعني حق كل فرد في أن يختار وجوده الخاص ويدير شؤونه لكي لا تكون الديمقراطية مهددة بسلطة الأغلبية.
كما لا يقبل الفكر الديمقراطي المعاصر بالمسلمة القائلة بأن احترام الحريات الفردية يقود حتماً إلى تحقيق القيم الإنسانية المطلوبة كما تقودها الليبرالية ، إذ يمكن لليبرالية أن تتحول إلى عائق أمام الديمقراطية لأنها تعمل على تجاهل قيم العدالة والمساواة ، فأي معنى للحرية من دون عدالة ومساواة فعلية لا يمكن أن تقود للديمقراطية.
أما الإشكالية الأعقد في الديمقراطية هي اعتبار الأفراد ناخبين و ليس صناعا للقرار السياسي فالديمقراطية لا تعني تحويل الأفراد في المجتمع ما إلى مجرد ناخبين لا خيار لديهم سوى الاختيار بل العكس تعني أن يشكلوا وحدات و مؤسسات سياسية و إدارية طبقا للإرادة الفردية ومن ثم المجتمعية ، و بهذا يكون الفرد قد ساهم بتشكيل سلطته السياسية المنشودة لا أن يكون مساهما باختيارات حرة بين تيارات سياسية لم تنطلق من الذات و الإرادة الحرة .
لا يمكن للسياسة الديمقراطية التي تعطي اكبر حرية لأكبر عدد ، فتحمي اكبر تنوع ممكن و تعترف به بل السياسة الديمقراطية سياسة تمثيل الأفراد في الحكم عن طريق إدارات ذاتية لكل مجموعة و انتخاب هذه الإدارات كل على حدا دون التعرض إلى نظام انتخابي شامل يبرمج القرار وفق صالح الأغلبية ، أي انطلاق القرار السياسي من القواعد الاجتماعية و التي تقوم بدورها عن طريق إدارة شؤونها بنفسها دون تسلط الأغلبية على حياتهم السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية.
أخيرا : لا يمكن أن تقوم ديمقراطية بلا مساواة سياسية ، فهي المقدمة اللازمة أو الضرورية للمساواة الاجتماعية. فالدولة لا تكون ديمقراطية إلا إذا كان القانون فيها واحداً يسري على جميع المواطنين بلا استثناء ولا تمييز ، وكان جميع المواطنين يشاركون في شؤون الدولة والحكم ، وما الديمقراطية إلا سياسة الاعتراف بالآخر ، كما قال شارل تايلور.
[1]