ب. د. #فرست مرعي#
ولد إريك براورفي 28 -06-1895م في مدينة برلين للسيدة لفاني كريبس وللسيد أدولف براور، عندما كانت جزءًا من الإمبراطورية الألمانية تحت القيادة البروسية، وبعد إكماله الدراسة الاعدادية في عام1911م، إنكب على دراسة الإثنولوجيا في جامعات برلين ولايبزيك. في شبابه اهتم بالرسم، وأضاف لاحقًا دراسات في الإثنولوجيا،(= وهي فرع من الأنثروبولوجيا يبحث في أصول الشعوب المختلفة وخصائصها وتوزّعها وعلاقاتها بعضها ببعض، ويدرس ثقافاتها دراسةً تحليلية مقارنة كان رسامًا ألمانيًا وعالمًا إثنيًا).
وباعتباره فناناً فقد اختار أن يعرف باسم (إريك تشيرام براور)، وغالبا ما وقع عمله الفني تحت اسم (شيرام). حتى بعد أن قام بتغيير مهنته، كان لا يزال يزين رسائله وكتاباته بالأعمال الفنية الرسومية وسيجعل رزقه في وقت لاحق من القيام بالأعمال الفنية الرسومية للصندوق القومي اليهودي، ينتمي براور إلى حركة شباب يهودية، شباب ينتمون أساسًا إلى أسر يهودية مندمجة كانت قد اهتمت بالصهيونية، والتي أطلقوا عليها اسم يونغ جودا (يهودا الشباب)، وكان من أبرز أصدقائه (غيرشوم شوليم) أحد المشاركين في هذه المجموعة. وخلال سنوات الحرب العالمية الأولى 1915-1916م، قام الاثنان بتحرير ونشر مجلة ليثوغرافية(= طريقة لطباعة المنسوجات المصبوغة بلون واحد) بعنوان Die Blauweisse Brille (نظارات باللونين الأزرق والأبيض)، والتي صدرت فيها ثلاث أعداد (50 - 100 نسخة مطبوعة) طبعت في المطبعة التي يملكها والد شوليم، والتي تعاملت مع الحرب من منظور صهيوني- يهودي، لكن تمت كتابتها بأسلوب فكاهي وروح الدعابة.
أكمل إريك براور أطروحته في عام 1923م في جامعة لايبزيغ الالمانية عن دين هيرو(الهيرو، المعروف أيضًا باسم أوفيهيرو)، وهي مجموعة عرقية تعيش في أجزاء من جنوب إفريقيا، وأغلبيتها تعيش في جمهورية ناميبيا مع وجود البقية في كل من جمهوريتا بوتسوانا وأنغولا، كان هناك ما يقدر بنحو 250،000 شخص من الهيرو في ناميبيا في عام 2013م، وهم يتحدثون أوتجيهيرو، وهي لغة من البانتو بجنوب غرب إفريقيا.
وفي عام 1925م تم شر بحثه من قبل معهد (فولكركونكه) التابع لجامعة لايبزيك، وفي نفس العام أرسله متحف لايبزيك الالماني للفولكلورإلى فلسطين التي كانت واقعة تحت الانتداب البريطاني لجمع القطع الأثرية للعرب الذين يعيشون في البلاد، وعلى الرغم من عودة براور إلى ألمانيا فقد ترك براور مسقط رأسه ألمانيا في الحياة اللاحقة ليستقر بشكل دائم في فلسطين حيث كان يقيم في تل أبيب، وبعد ذلك في القدس.
في أوائل ثلاثينيات القرن العشرين عاد براور إلى ألمانيا لنشر كتابه المكتوب حديثًا باللغة الألمانية تحت عنوان( إثنولوجيا اليهود اليمنيين)، والذي نُشر أخيرًا في مدينة هايدلبرك في عام 1934م في ظل النظام النازي الهتلري، وفي نفس العام حصل أيضًا على منحة (لورد بلومر) تقديراً لعمله المتميز في مجال الأنثروبولوجيا(= علم الانسان)، وقد مكنه ذلك من العمل كزميل باحث في الجامعة العبرية في القدس التي كانت قد تأسست في مدينة القدس عام1925م، وهو المنصب الذي شغله لمدة أربع سنوات، وعلى الرغم من الجهود التي بذلها براور فشل في جعل الأنثروبولوجيا من مجالات الاهتمام الأكاديمي للجامعة العبرية في القدس، لأنه لم يتمكن من حشد الدعم المالي لأبحاثه الخاصة، عندما لم تعد الجامعة قادرة على الدفع مقابل أبحاثه المستمرة في مجال الأنثروبولوجيا، ولكنه واصل في إجراء أبحاثه الخاصة في هذا المجال، حتى أجبره المرض على التوقف.
كتب براور مخطوطة عن (يهود كوردستان) أكمله وأضاف اليه فصول أخرى عالم الاجتماع اليهودي الامريكي من أصول هنغارية رافائيل باتاي Patai (1910 – 1996م) عام 1947م، وهو كتاب ترجم لاحقًا إلى الإنكليزية والتركية والعربية، هذان العملان هما الدراسات الأكثر شعبية له، في حين أن أعماله الأخرى هي مقالات مكتوبة في منشورات مختلفة.
وفي السياق نفسه كتب المؤرخ اليهودي الالماني من أصول مجرية (شيلومو دوف جويتين) المتوفى سنة1985م عن براور وعن دراسته الأولى بشعور من الرهبة والمودة العميقة قائلاً: لقد تعلم براور وتلقى تعليمه في مدرسة برلين للاثنولوجيا، التي كانت معروفة بإشادتها في ذلك الوقت؛ كان محققًا حاد العينًين، ورجلًا موهوبًا بإنسانية وحكمة عميقة، بالإضافة إلى ذلك كان رسامًا رائعًا ومصورًا ممتازًا وكان منهجياً وشاملاً، يعتبر كتابه [عن اليهود اليمنيين] عملاً أدبيًا يعد تحفة في مجاله . وتعد مكانة براور الرائدة كما تنعكس في بحثيه عن يهود اليمن ويهود كوردستان، علامة بارزة في دراسة هذه المجتمعات في إسرائيل، حيث يعد أحد أسلاف الأنثروبولوجيا المحلية كما تطورت في فلسطين الانتداب. عانى براور من مرض نادر (مرض شويرمان)، وتوفي في09-05-1942م عن عمر ناهز 47عامًا في مستعمرة بتاح تكفا في فلسطين الواقعة آنذاك تحت الانتداب البريطاني، ودُفن في مقبرة نهالات يتسحاق في جفعتايم. وعند وفاته ترك (براور) وراءه خمسة كتب غير مطبوعة، تم إيداع نصوصها بشكل دائم عام 1975م في المكتبة الوطنية لإسرائيل من قبل الجمعية الإثنوغرافية الإسرائيلية، بالإضافة إلى نسخ من النصوص والرسوم.
لذلك كتب زميله المؤرخ جويتين تأبينًا مؤثرًا له عند وفاته، نُشر في كتاب شيفت تيمان عام1945م، بقوله عن براور أنه كان أول عالم إثنولوجيا علمي في هذا البلد وأول من وضع أساسًا لعلم الإثنولوجيا المقارن، فبعد الحرب العالمية الثانية غادر أفراد من المجتمع اليهودي الكبير في كوردستان العراق وطنهم واستقروا في إسرائيل، فأجرى عالم الأنثروبولوجيا (إريك براور) مقابلة مع عدد كبير من هؤلاء اليهود الكُورد، وكتبَ كتابه (يهود كوردستان) قبل وفاته في عام 1942م، وبدوره أكمل زميله (رافائيل باتاي) المخطوطة التي تركها براور، وترجمها إلى اللغة العبرية ونشرها في عام 1946م. هذه اللغة الإنكليزية الجديدة وفرت المجلد الذي أكمله وحرره باتاي دراسة إثنولوجية فريدة متاحة للمجتمع العلمي الأوسع، وفي الوقت نفسه يُعد بمثابة نصب تذكاري لعالم ما زال عمله غير معروف إلى حد كبير خارج الدائرة الضيقة للعبرية- قراءة علماء الأنثروبولوجيا ليهود كوردستان هو وثيقة تاريخية فريدة من نوعها لأنه يقدم صورة للحياة والثقافة الكوردية اليهودية قبل الحرب العالمية الثانية، إنها الدراسة الإثنية الوحيدة لليهود الكوردستانيين الذين تمت الكتابة عنهم على الإطلاق، وتقديم نظرة شاملة عن ثقافتهم المادية ودورات حياتهم وممارساتهم الدينية ومهنهم وعلاقاتهم مع المسلمين. فبين أعوام 1948—1951م، مع الهجرة الجماعية لليهود الكوردستانيين إلى إسرائيل، فإن عالمهم ومجتمعهم الذي كان موجوداً قبل الحرب العالمية الثانية في كوردستان العراق لم يعد له وجود؛ بسببب هجرتهم الى اسرائيل، يلذلك يعكس هذا الكتاب حياة وثقافة المجتمع اليهودي الكوردستاني الذي اختفى من البلد الذي سكن فيه من العصور القديمة(= 722ق.م).
في مقدمة الكتاب يقدم عالم الاجتماع (رافائيل باتاي) بيانات يعتبرها مهمة لاستكمال كتاب براور، والتعليقات على قيمة الكتاب وحدوده بعد خمسين سنة من كتابة براور، أضاف باتاي Patai معلومات إضافية تم الحصول عليها من اليهود الكورد في القدس، وكان المصدر الرئيسي لمعلوماته هو حاخام العمادية السابق (علوان أفيداني) الذي كان قد هاجر الى فلسطين في وقت سابق، والذي يرجع بأصوله الى قرية نيروة الواقعة في منطقة نيروه وريكان شمال شرق العمادية والذي كان متواجداً في مدينة القدس عام1937م، والذي يتمتع بمعرفة شاملة وإطلاع كامل على الامور الحياتية لمجتمعه، ويذكر باتاي بخصوص مصدره الموثوق ما نصه: وهو مصدر لم يبخل عليَّ بأيّ معلومة طلبتها. (رافائيل باتاي، مقدمة الطبعة العربية لكتاب ، يهود كردستان، ص23). ولذلك تم التحقق من الاقتباسات، وتصحيح بعض المقاطع التي تمت ترجمتها بشكل غير دقيق من المؤلفين العبريين، واستكمال المراجع، بالاضافة الى إشارات عرضية وإلى سمات موازية موجودة في المجتمعات اليهودية الشرقية الأخرى.
وعلى أية حال يعد كتاب برارو( يهود كردستان) أفضل بحث ووثيقة أنثروبولوجية حية عن مجموعة دينية كبيرة ضمن كوردستان، وبالتالي مصدر شيق ومهم لمكون مهم من مكونات كوردستان( اليهود الكوردستانيين) عاشوا قرابة 2650عاما، وتركوا بصمات اجتماعية وثقافية واقتصادية واضحة في المجتمع الكوردي، ولا زالت الجالية اليهودية الكوردستانية تحن الى وطنها الثاني كوردستان، وترفع العلم الكوردستاني في كل المناسبات والاعياد التي لها قاسم مشارك بين الجانبين.[1]