أسباب وحشية ملوك آشور وقسوتهم
مهدي كاكه يي
الحوار المتمدن-العدد: 6039 - 2018-10-30 - 13:25
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
يمكن أن يعود التكوين الساديّ الدموي لِشخصية ملوك آشور الى الأسباب التالية:
1. البيئة: تلعب البيئة دوراً مُهمّاً في تكوين شخصية الفرد والشعوب على السواء، حيث أن تفاعل العامل الوراثي مع العامل البيئي، يُحدّد شخصية الإنسان وفكره وسلوكه ومواهبه. هنا نُركّز على البيئة. لذلك فأنّ للبيئة التي عاشت الأقوام والشعوب فيها، دورٌ حاسمٌ في رسم شخصيتها. لذلك نلاحظ أنّ الملوك الزاگروسيين الذين كانوا من سُكّان الجبال و الذين حكموا آشور منذ تأسيسها الى أن تمكّن الأموريون من الإستيلاء على الحُكم في آشور، لم يلجأوا الى إرتكاب المجازر والإبادات الجماعية بِحق الأقوام الأخرى في المنطقة، حيث تتوفر في المناطق الجبلية المياه وأراضٍ زراعية خصبة في الوديان ومراعي وتتميّز المناطق الجبلية بِكثرة هطول الأمطار والثلوج فيها، حيث أنّ سُكّان الجبال يزرعون الوديان لإعالة أنفسهم وكذلك يعتمدون على الصيد في كسب غذائهم، فيتوفر لهم الغذاء الكافي. كما أن المناطق الجبلية هي مناطق جميلة ساحرة، ذات بيئة صحّية نظيفة، لذلك فأنّ سكانها ليسوا بِحاجةٍ الى غزو مناطق أخرى، لذلك فأنهم يتشبثون بمناطق سكناهم ويلتزمون موقع الدفاع عن أراضيهم ولا يهاجمون الأقوام الأخرى ولا يغزون مناطقها. كما أنّ الطبيعة الجبلية تعزل السكان عن بعضهم البعض ولذلك يكون من الصعب على الأقوام الجبلية توحيد أنفسهم ليصبحوا قوة كبيرة مؤهلة للهيمنة على الأقوام الأخرى في المنطقة. في حالتَين فقط، يضطر سكان المناطق الجبلية أن يتركوا موطنهم ويحاولوا الإستيلاء على أراضي الغير؛ الحالة الأولى عندما تزداد نفوسهم أو تتعرض المنطقة لِكوارثٍ طبيعية كالزلازل والبراكين والأعصار والجفاف والمجاعة، بحيث لا يتوفر الغذاء الكافي لهم وكذلك وسائل العيش الأخرى. الحالة الثانية هي نشوب حربٍ أهلية بين الأقوام الجبلية وإضطرار قسم من هذه الأقوام الى الهجرة وترك مواطنها الأصلية ومحاولة الإستيلاء على أراضي الأقوام الأخرى.
أما المناطق الصحراوية، كما هو معروف، فأنها مناطق جرداء، تنعدم فيها المياه والزراعة ووسائل الحياة الأخرى ولها بيئة قاسية، حيث الحرارة العالية والعواصف الرملية، التي تجعل سكانها يتّصفون بالقسوة والإرهاب والعدوانية ويتشبعون بثقافة الغزو والقتل في كفاحهم من أجل إدامة حياتهم. بسبب بيئتهم التي تنعدم فيها متطلبات الحياة، فأنّ سكان المنطقة الصحراوية يحاولون غزو الممالك الأخرى للإستحواذ على أراضيٍ خصبة وموارد طبيعية أخرى والتمتّع بِمناخ جيّد والتحكّم بالمواقع وطرق المواصلات الإستراتيجية الموجودة في البلدان الأخرى. هذا هو أحد الأسباب الرئيسية للشخصية العدوانية والغزواتية للأمّوريين الصحراويين الذين إستلموا الحُكم في آشور بعد إزاحة أسلاف الكورد الزاگروسيين عن الحُكم.
2. التخلّف الحضاري: ذكرنا بأنّ الصحراء لا تتوفر فيها متطلبات الحياة الضرورية، حيث تنعدم فيها المياه والأراضي الصالحة للزراعة وتقلّ فيها الأمطار ويصعب بناء مجمعات سكنية ثابتة، لذلك يعيش البدو الصحراويون حياة متنقلة في الخيام، يبحثون عن مصادر المياه القليلة ويرعون الإبل. هكذا في هذه البيئة القاحلة لا يمكن بناء حضارات، من مدنٍ وصناعات وحقول وغابات و في هذه البيئة القاسية لا تنمو الإبداعات العلمية والفنية والمهارات الفردية. لذلك كان الحكام الآشوريون، الذين كانت لهم خلفية بدوية، أناساً متخلفين، غير حضاريين وعليه إتّصفوا بالثقافة السادية والقيام بالإبادة الجماعية والتنكيل بالبشر وتعذيبهم وقتلهم بِصورة وحشية وتخريب المدن والبيوت والمعابد وتدميرها وحرقها وإتباع سياسة الأرض المحروقة.
3. القوة العسكرية: بسبب ثقافة الغزو للحُكّام الآشوريين، فأنهم ركّزوا على بناء القوة العسكرية لِيستطيعوا غزو وإحتلال الممالك الأخرى والقضاء على الثورات والإنتفاضات التي تقوم بها شعوب الممالك التي كانوا يقومون بإحتلالها، ولذلك إستطاعوا أن يؤسسوا أقوى جيشٍ في العالم في ذلك الوقت، حيث أنّ آشور سبقت غيرها من البلدان في فنون الحرب، فهي أول مَن قام بِتنظيم فِرق الفرسان والمركبات والمشاة والمهندسين لتعويض الأبنية، وكانوا يجرون الفنون الحربية من خلال تعبئة الجنود وتحريكهم بِسرعة ومهاجمة جيوش الأعداء على إنفراد. كما أنهم قاموا بِصُنع ملابس جنودهم من الحديد التي كانت تُغطّي أجسامهم من الرأس حتى الركبتين(1). الإهتمام بِبناء الماكنة العسكرية وعسكرة المجتمع، جعلت الحُكّام الآشوريين يحملون مبادئ عسكرية صارِمة وعنيفة وأنّ تفوّق جيشهم شجّعهم على العنف والقيام بالإبادات الجماعية وإستخدام وسائل غير إنسانية في القتل والتعذيب والحرق والتدمير والتخريب والتمثيل بالأسرى وبتر أعضاء أجسامهم والتمثيل بِجثث المقتولين.
4. المعتقدات الدينية: من أسباب قسوة ووحشية ملوك آشور هي إقتران الحروب الآشورية بالمعتقدات الدينية التي تُعظّم الإِله الوطني (آشور) وحماية أرضه وتوسيع مملكته والحفاظ على مكانته وتعظيمها(2). لذلك، بعد قوة الجيش، كانت قوة الدين والإخلاص لِلإله (آشور)، القوة الثانية التي إعتمد عليها الأشوريون، حيث كانوا يبرّرون القتل والتعذيب والتمثيل بِجثث قتلاهم، مرضاةً للإله آشور. كان الإله القومي للآشوريين (آشور)، يملك روحاً عسكرية، لا يرحم أعداءه وكان الذين يؤمنون به، يعتقدون أنّ إلههم يفرح عند رؤيته الأسرى وهم يُقتلون أمام مزاره.
5. شيوع إنتشار إستخدام الحديد في الصناعة العسكرية: إستخدام معدن الحديد وإستغلاله من قِبل الآشوريين لِبناء آلتهم الحربية، كان عاملاً آخراً في قوة الماكنة العسكرية الآشورية، حيث أنّ الاشوريين إستغلوا هذا المعدن في بناء أضخم أسلحة حربية عرفها العالم القديم. بسبب القوة العسكرية العظيمة للآشوريين نتيجة إستخدامهم الحديد في الصناعة العسكرية، إتّبع الملوك الآشوريون العنف المُفرِط وقاموا بالمجازر والإبادات الجماعية وتهجير سكان الممالك التي كانوا يغزونها ويحتلونها، ولِقمع وإخماد ثورات وإنتفاضات الشعوب المُستعمَرة من قِبلهم.
6. الإقتصاد: لعب العامل الإقتصادي دوراً مُهمّاً في الحروب التي خاضها ملوك آشور والمجازر التي إرتكبوها وإتباعهم القسوة والبطش والإبادة تجاه الشعوب المُستعمرَة والثائرة والمُنتفِضة، حيث أنهم إستخدموا كل وسائل القتل والتدمير من أجل إحتلال الممالك الأخرى وإدامة هذا الإحتلال لِنهب ثروات هذه البلدان من أراضٍ زراعية ومعادن كالحديد والذهب والرصاص ومصادر للمياه وثروات زراعية وحيوانية وزج شباب هذه الشعوب في حروبها التوسعية و في قمع الإنتفاضات التي كانت تندلع ضد حُكمهم.
7. المواقع والطرق الإستراتيجية: إتبع الآشوريون كل وسائل القهر والقتل والتخريب للسيطرة على الأماكن الإستراتيجية وطرق المواصلات الإستراتيجية في المنطقة لِتأمين الدفاع عن إمبراطوريتهم ضد الأعداء المُتربصين بهم ولِتأمين طرق التجارة وإنتقال القطعات العسكرية وتحركاتها وكذلك للحفاظ على مصادر الحديد ونقله وتصنيعه لِآلتهم العسكرية، حيث كان الحديد يُشكّل العنصر الحاسم لِقوتهم العسكرية.
المصادر
1. ول ديورانت. قصة الحضارة. التراث الشرقي، الشرق الأدنى، آشور، صفحة 477.
2. . جورج رو. العراق القديم. ترجمة وتعليق حسين علوان حسين، بغداد، وزارة الثقافة والإعلام، الطبعة الثانية، 1986م - 1406ﮪ، صفحة 383- 384.[1]