*معهد واشنطن لسياسات الشرق الاردنى
بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة للإبادة الجماعية ضد المجتمع الإيزيدي، يناقش ثلاثة خبراء الفظائع التي ارتكبها تنظيم الدولة الإسلامية ضد الأقليات، واستخدامه المنهجي للعنف القائم على النوع الاجتماعي، والتحديات المرتبطة بالعودة إلى الوطن.
في الأول من آب/أغسطس، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع جينا فالي، وديفورا مارغولين، وباري إبراهيم، وهو الحدث الأخير في سلسلة محاضرات المعهد حول مكافحة الإرهاب. وفالي هي محاضرة في علم الجريمة في جامعة ساوثهامبتون وزميلة مشاركة في المركز الدولي لمكافحة الإرهاب.
ومارغولين هي زميلة أقدم في برنامج بلومنشتاين-روزنبلوم؛ في المعهد، وتشمل منشوراتها الأخيرة المجموعة التي شاركت في تحريرها بعنوان الحوكمة الجهادية وفن الحكم ومقال في ظل الخلافة: عقد من العنف القائم على الجنس من قبل تنظيم الدولة الإسلامية، والذي شاركت في تأليفه مع الدكتورة فالي. وإبراهيم هي المؤسسة والمديرة التنفيذية ل مؤسسة الأيزيديين الأحرار. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهم.
جينا فالي: محاضرة في علم الإجرام في جامعة ساوثهامبتون
تمثل الذكرى السنوية للإبادة الجماعية للإيزيديين فرصة للتأمل في الفظائع التي ارتكبها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) خلال احتلاله لمناطق في العراق وسوريا وما زال يرتكبها حتى اليوم. وفي إطار هذه العملية، من المهم أن نفهم أن أيديولوجية التنظيم المتمثلة في الأدوار الصارمة والثنائية للجنسين، حيث يشارك الرجال في الحياة العامة وتتم عسكرتهم بينما تظل النساء محصورات في المنزل، ساعدت في دفع العنف القائم على أساس الجنس المنتشر على نطاق واسع والمرتكب من قبل وبحق الرجال والنساء والأطفال في الخلافة. وتم تسهيل هذا العنف من خلال هيكلية حكم الخلافة، وهو يوجه الممارسات الحالية لتنظيم الدولة الإسلامية أيضاً.
وفي ظل الخلافة، كان من المتوقع أن يتدرب الرجال والفتيان المنتسبون إلى تنظيم داعش على العنف ضد الأعداء الداخليين والخارجيين ويشاركوا فيه، مع خضوع الأولاد على وجه الخصوص للتلقين العقائدي العنيف. وفي المقابل، توقع تنظيم الدولة الإسلامية بقاء النساء والفتيات خارج الأماكن العامة، مما أدى إلى فرض الحياة المنزلية القسرية عليهنّ. وأسفر هذا النظام عن قيام مؤسسات تفصل بين الجنسين في جميع أنحاء خلافة تنظيم داعش، حيث مُنعت النساء من مغادرة منازلهنّ من دون ولي أمر ذكر، وأُجبرن على الالتزام بقواعد اللباس الصارمة، وحُرمن من الرعاية الصحية والتعليم، وتعرضن للعنف والوحشية، أحياناً على أيدي نساء أخريات.
وحولت هذه الممارسات المجال الخاص للخلافة إلى مساحة من العنف القائم على الجنس غير المنظم من قبل أفراد تنظيم الدولة الإسلامية. وقد أُخضعت النساء والفتيات بشكل متزايد للزواج القسري أو الزواج دون السن القانونية وفقاً لما يمليه عليهنّ أولياء أمورهنّ الذكور.
وتم تبرير الإبادة الجماعية التي ارتكبها تنظيم الدولة الإسلامية ضد الإيزيديين والأقليات الأخرى بالأيديولوجية الثنائية ذاتها، مما أدى إلى اندلاع أعمال عنف غالباً ما كانت قائمة على نوعية الجنس. على سبيل المثال، خلال الحصار الأولي الذي فرضه التنظيم على سنجار في آب/أغسطس 2014، قُتل ما يقدر بنحو 3100 إيزيدي وتم اختطاف 6800 آخرين. وكان معظم المختطفين من النساء والأطفال الذين تم استعبادهم ومعاملتهم معاملة غير إنسانية، غالباً على أيدي زوجات وقريبات أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية. وتم إعدام ما يقرب من نصف القتلى، ومعظمهم من المراهقين والرجال، بشكل جماعي.
يجب أن تكون المساءلة والعدالة لهؤلاء وغيرهم من ضحايا تنظيم داعش شاملة ومدفوعة من جهات فاعلة محلية. ومن الضروري أيضاً المساءلة عن الجرائم المرتكبة من قبل أفراد تنظيم الدولة الإسلامية في المجال الخاص، وليس فقط الجرائم في المجال العام.
د.ديفورا مارغولين: أستاذة مساعدة في جامعة جورج تاون
يواصل تنظيم الدولة الإسلامية ارتكاب العنف القائم على نوعية الجنس حتى في غياب خلافة طبيعية، بينما فشل المجتمع الدولي والسلطات المحلية إلى حد كبير في تقديم ردود مؤاتية في الوقت المناسب. واليوم، لا يزال مرتكبو العنف في تنظيم الدولة الإسلامية وضحاياه في حالة من عدم اليقين، مع احتجاز أكثر من 54000 رجل وإمرأة وطفل إلى أجل غير مسمى في سبعة وعشرين مركز احتجاز ومعسكرَي اعتقال في الإدارة الذاتية الديمقراطية ل إقليم شمال وشرق سوريا. ونظراً لمكانتها كجهة من غير الدول، تفتقر الإدارة الذاتية إلى السلطة لترحيل هؤلاء الأفراد.
فضلاً عن ذلك، غالباً ما يعكس تقسيم المعتقلين ومعاملتهم في الإدارة الذاتية الديمقراطية ل إقليم شمال وشرق سوريا الافتراضات القائمة على نوعية الجنس حول الالتزام والمخاطر الأيديولوجية. على سبيل المثال، بينما يتم احتجاز الرجال (وبعض الفتيان) المنتمين إلى تنظيم الدولة الإسلامية في مرافق الاحتجاز، تشكل النساء والأطفال غالبية المحتجزين إلى أجل غير مسمى في المخيمات (حوالي 62 في المائة من سكان مخيم الهول هم دون سن الثامنة عشرة).
وقد اتخذت معظم أعمال العنف القائم على نوعية الجنس في مخيمات مثل مخيم الهول ثلاثة أشكال رئيسية، هي: استغلال السكان من قبل عمال الإغاثة وأفراد الأمن؛ الالتزام القسري بقواعد اللباس والسلوك الخاصة بتنظيم الدولة الإسلامية من قبل المقيمين الآخرين؛ والاعتداء الجنسي المشتبه به على الفتيان من قبل النساء اللواتي يسعين إلى إعداد الجيل التالي من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية.
وينبع مصدر قلق كبير آخر بشأن الاحتجاز لأجل غير مسمى من تصور السلطات بأن الفتيان الذين يبلغون سن الرشد داخل المخيمات معرضون بشكل كبير لخطر التلقين العقائدي. فعندما يبلغ هؤلاء الفتيان سناً معينة، غالباً ما يتم فصلهم عن عائلاتهم ويتم وضعهم في مرافق إعادة تأهيل تديرها الإدارة الذاتية الديمقراطية ل إقليم شمال وشرق سوريا. وإذا لم تتم إعادتهم لاحقاً إلى وطنهم قبل بلوغهم سن الثامنة عشرة، وهو أمر نادر نظراً لإحجام المجتمع الدولي عن إعادة مواطنيه إلى أوطانهم، فيمكن نقلهم إلى مرافق احتجاز البالغين. بعبارة أخرى، بدلاً من منع التلقين العقائدي، فإن هذه الدوامة من السجن تُعرّض الفتيان فعلياً للمزيد من العنف والتلقين العقائدي على أيدي الرجال المحتجزين في سجون البالغين والمرافق المماثلة.
ويشكل الفشل الدولي في إعادة المحتجزين إلى وطنهم أيضاً أكبر عائق أمام محاسبة أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية وتحقيق العدالة للضحايا. فقد شجعت الإدارة الذاتية الديمقراطية ل إقليم شمال وشرق سوريا على العودة إلى الوطن ومنحت العفو لبعض المعتقلين السوريين والعائلات المرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، بينما تم إرجاع أو إعادة ما يقدّر بحوالي 3600 من مواطني الدول الثالثة إلى أربعين دولة مختلفة منذ عام 2019.
لكن يبدو أن المجتمع الدولي قد سئم من هذه الجهود. فلا يزال مواطنو الدول الثالثة من أكثر من ستين دولة محتجزين في سوريا وحدها، ولم يبذل ما لا يقل عن خمسة وثلاثين بلداً من هذه البلدان (أي) جهد لإعادتهم إلى أوطانهم.
وحتى عندما يحدث ذلك، تتم عملية الإعادة إلى الوطن والمساءلة وفقاً لأسس جنسانية. فمع إحجام العديد من البلدان عن إعادة الرجال والمراهقين إلى أوطانهم، تشكل النساء غالبية حالات الإعادة إلى الوطن - وبالتالي، غالبية أولئك الذين تتم محاكمتهم في الخارج بتهمة الإرهاب أو جرائم أخرى، على الرغم من اضطلاعهنّ بأدوار هامشية في ظل هيكلية تنظيم الدولة الإسلامية.
پەری إبراهيم: مؤسس ومدير تنفيذي لمؤسسة الأيزيديين الأحرار
لم يحصل المجتمع اليزيدي بعد على حقه في المثول أمام المحكمة، ويشعر الكثيرون أن المجتمع الدولي قد خذله. فمنذ البداية، طالبوا بتشكيل محكمة دولية أو مختلطة لمحاسبة مرتكبي الإبادة الجماعية من تنظيم الدولة الإسلامية وتجاوز ما مضى.
وبدلاً من ذلك، تم إنشاء المنظمة الدولية يونيتاد للتحقيق في الأدلة المتعلقة بالجرائم المرتكبة ضد الإيزيديين وجمعها والحفاظ عليها، مع استثمار ملايين الدولارات لتحقيق هذا الهدف. ومن المقرر الآن أن ينهي فريق يونيتاد مهامه قبل مدته المحددة في أيلول/سبتمبر المقبل مع عدم تحقيقه الكثير من حيث المساءلة وعدم طرح ما يكفي من الأفكار حول كيفية المضي قدماً.
وبصورة عامة، يُتهم أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية والمنتسبون إليه بارتكاب جرائم متعلقة بالإرهاب، ولكن ليس جرائم دولية أساسية مثل الاغتصاب الجماعي والقتل.
وغالباً ما يُعزى ذلك إلى الاعتقاد بأن الحصول على لوائح الاتهام والإدانة بتهم الإرهاب هو أكثر سهولة.
ومن المؤكد أن تنظيم الدولة الإسلامية منظمة إرهابية، ولكنه أيضاً منظمة إبادة جماعية، ومن الضروري أن يشهد المجتمع اليزيدي اتهام أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية أيضاً. وعلى الرغم من أن جمع وتقديم الأدلة على مثل هذه الجرائم قد يكون أكثر صعوبة، إلا أن الأدلة متوفرة بوضوح، بما في ذلك في الولايات المتحدة.
وحتى الآن، تم (أو سيتم) توجيه تهم إلى منتسبين لتنظيم الدولة الإسلامية بارتكاب جرائم دولية أساسية في بضع حالات في بلجيكا وألمانيا وهولندا والسويد، لكن هذه الأمثلة ليست سوى نقطة في بحر الجرائم المرتكبة ضد الشعب اليزيدي.
وفي الوقت نفسه، تمنح السلطات في العراق والمناطق السورية الخاضغة لسيطرة الإدارة الذاتية الديمقراطية ل إقليم شمال وشرق سوريا العفو بشكل متزايد لأفراد عائلات تنظيم الدولة الإسلامية والجناة المحتملين التابعين للتنظيم بسبب قيود الموارد، دون أي اعتبار فعلي للجرائم التي ارتكبوها ربما ضد الإيزيديين أو غيرهم.
ومع تعليق يونيتاد لمهامها، قد تكون البلدان أكثر ميلاً إلى سلوك الطريق السهل ورفض اتهام الأفراد بارتكاب جرائم دولية أساسية نظراً للافتقار المتصور إلى الأدلة.
ومن الناحية النظرية، لدى المجتمع الدولي الكثير من القوانين واللوائح المعمول بها للتحقيق في الانتهاكات المرتكبة ضد الشعب الإيزيدي والضحايا الآخرين وملاحقة مرتكبيها قضائياً.
ولكن من الناحية العملية، فإن هذا النظام معطّل. ولا يمكن تحقيق العدالة وتجاوز ما مضى ببساطة من خلال تقديم اعتراف رمزي بالجرائم المرتكبة ضد الإيزيديين، أو من خلال مطالبتهم ب المضي قدماً والعودة إلى منازلهم حيث يمكن أن يكون جيرانهم قد انضموا إلى تنظيم داعش أو ساعدوه. وهم يستحقون فرصة للحصول على محاكمة عادلة في محكمة دولية أو مختلطة.
وفي العراق، يمكن أن تتخذ العدالة أيضاً شكل التمثيل المتزايد للإيزيديين في مجلس النواب. ومن الناحية الفنية، تُعتبر الحكومة العراقية مسؤولة عن رعاية جميع مواطنيها، ولكن في الواقع، لا يتم توفير الأمن والموارد والأموال إلا لأولئك الذين يتمتعون بتمثيل سياسي كافٍ.[1]